مصدر: الاسلام يتحدى
أول خاصة يتنبه إليها الباحث في العلوم القرآنية هي ذلك التحدي الصريح الذي وجهه القرآن إلى الناس كافة، منذ أربعة عشر قرنا، وبخاصة أولئك الذين ينكرون رسالة القرآن، ولم يستطع أحد من عباقرة البشر أن يرد التحدي إلى الآن. لقد أعلن القرآن، بصوت عال، لا إبهام فيه ولا غموض : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله، إن كنتم صادقين (البقرة 23).
إن هناك عددا لا يحصى من الاعترافات التي أدلى بها أرباب الشعر والأدب والفكر، في شأن القرآن الكريم، سطرت في صفحات التاريخ القديم، كما أنها توجد بكثرة في تاريخ العصر الحاضر.إنه أغرب تحد في التاريخ، وأكثره إثارة للدهشة، فلم يجرؤ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني ـ وهو بكامل عقله ووعيه — أن يقدم، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتاباً، يستحيل على الآخرين أن يكتبوا مثله، أو خيراً منه.. فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال. ولكن حين يدعى أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله، ثم تخفق البشرية على مدى التاريخ في مواجهة هذا التحدي، حينئذ يثبت تلقائياً أنه كلام غير إنساني، وأنها كلمات صدرت عن صميم المنبع الإلهي ( Divine Origin )، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته. ــــــــــــــــــــــــــ وفي صفحات التاريخ بعض الوقائع، غر أصحابها الغرور، فانطلقوا يواجهون هذا التحدي. وأولى هذه الوقائع ما حدث من الشاعر العربي لبيد بن ربيعة، الشهير ببلاغة منطقه، وفصاحة لسانه، ورصانة شعره. فعندما أن محمداً سمع يتحدى الناس بكلامه قال بعض الأبيات ردا على ما سمع، وعلقها على باب الكعبة، وكان التعليق على باب الكعبة امتيازا لم تدركه إلا فئة قليلة من كبار شعراء العرب، وحين رأى أحد المسلمين هذا أخذته العزة، فكتب بعض آيات الكتاب الكريم، وعلقها إلى جوار أبيات لبيد، ومر لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي، ولم يكن قد أسلم بعد، فأذهلته الآيات القرآنية، حتى إنه صرخ من فوره قائلا ً : ( والله ما هذا بقول بشر، وأنا مـن المسلمين) Muhammad: The Holy Prophet, p. 488 وكان من نتيجة تأثر هذا الشاعر العربي العملاق ببلاغة القرآن أنه الشعر، وقد قال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يوما : يا أبا عقيل : أنشدني شيئا من شعرك، فقرأ سورة البقرة، وقال : ما كنت لأقول شعرا بعد إذ علمني الله سورة البقرة وآل عمران(۱). وأما الحادث الثاني فهو أغرب من الأول، وهو عن ابن المقفع، أورده المستشرق ( ولاستن ) في كتابه، وعلق عليه قائلا ً: “... that Muhammad's boast as to the literary excellence of the Quran was not unfounded, is further evidenced by a circumstance, which occurred about a century after the establishment of Islam.” ’’... إن اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن على غير أساس، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الإسلام". والحادث، كما جاء على لسان المستشرق، هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس، فقرروا مواجهة تحدي القرآن، واتصلوا، لإتمام خطتهم، بعبد الله بن المقفع ( ۷۲۷ م )، وكان أديباً كبيراً، وكاتباً ذكيا، يعتد بكفاءته، فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة.. وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق سنة كاملة، واشترط عليهم أن يتكفلوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة... ولما مضى على الاتفاق نصف عام، عادوا إليه، وبهم تطلع إلى معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام، وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل، وجدوه جالسا والقلم في بده، وهو مستغرق في تفكير عميق، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه على الأرض، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة، كتبها ثم مزقها. [Highlight2] لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود، عساه أن يبلغ هدفه، وهو الرد على تحدي القرآن المجيد.. ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه، حتى اعترف أمام أصحابه، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه، أنه، على الرغم من مضي ستة أشهر، حاول خلالها أن يجيب على التحدي، فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن ! وعندئذ تخلى ابن المقفع عن مهمته، مغلوباً مستخذيا.. ـــــــــــــــــــــ وهكذا لا يزال تحدي القرآن الكريم قائماً ومستمرا على مر القرون والأجيال، خاصة عظيمة ورائعة في صالح القرآن، تثبت، دون مرية، وهي أنه كلام من هو فوق الطبيعة. وأي إنسان يتمتع بكفاءة التفكير والإمعان في حقيقة الأمر، يكفيه ذلك ليؤمن بهذا الكتاب ومما لا شك فيه أن العرب ـ وهم الذين لم يعرف لهم مثيل في التاريخ، في البلاغة والبيان، حتى أطلقوا على غيرهم اسم و العجم، لشدة اعتزازهم ببيانهم – قد اضطروا أن يركعوا أمام القرآن، معترفين بعجزهم عن الإتيان بمثله، فلزمتهم بذلك الحجة.. ومما جاء في كتب الحديث عن ابن عباس أن ( ضماداً ) قدم مكة. وكان من ازد شنوءة". وكان يرقى من هذه الريح ( الجنون ومس الجن ). فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون : إن محمدا مجنون. فقال : لو أني رأيت هذا الرجل، لعل الله يشفيه على يدي. قال : فلقيه ؛ فقال : با محمد ! إني أرقى من هذه الريح، وإن الله يشفى على يدى من شاء، فهل لك ؟ فقال رسول الله : « إن الحمد الله، نحمده ونستعينه، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. أما بعد.، قال : فقال : أعد علي كلماتك هولاء، فأعلدهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال : فقال : « لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر ( قعره الأقصى).. إن هناك عددا لا يحصى من الاعترافات التي أدلى بها أرباب الشعر والأدب والفكر، في شأن القرآن الكريم، سطرت في صفحات التاريخ القديم، كما أنها توجد بكثرة في تاريخ العصر الحاضر.